عندما نتجوّل بين لوحات لينا الناصري و بلوزاتها و حقائبها المرسومة في معرضها الّذي أقيم في عمّان، لا يمكننا إلّا أن نتبعها في رحلتها الطّويلة للعودة إلى أصل الفنّ، فنرجع معها ثمانية آلاف سنة إلى الوراء: إلى الألف السّادس قبل الميلاد، و نتأمّلها تنقط قطعا من الفخار بألوان تاتش حديثة و لكن على طريقة أجدادها الأوّلين، سكّان ما بين النّهرين ( دجلة و الفرات ) الّذين تركوا لها إرثا ً فنّيا ً لا يقدّر: نسغ الإبداع الّذي ارتوت منه أعمالهم، يسيل في عروقها فيورق العالم جمالا ً.
و نستمر معها مخترقين بلاد سومر، و السّومريون هم الّذين أخرجوا البشرية من ظلمات ما قبل التّاريخ و أدخلوها في التّاريخ عندما اخترعوا الكتابة في الألف الرّابع قبل الميلاد، فتكتب لينا معهم بالمسمارية، و ترتدي حلي جدّاتها ملكات أور و الوركاء، و تمتد أيدينا و تحاول أصابعنا تلمّس هذا الجمال الباهر للأعين و القاطع للأنفاس ...
و تستمر الرّحلة إلى الألف الأوّل قبل الميلاد، و تبث ّ لينا دفء الحياة في أجزاء من منحوتات قصور الملوك الآشوريين فتورق الأشجار والنّخيل بين أصابعها، و تتفتح الأزهار و تحلّق الطّيور في سماء نينوى الصّافية الزّرقة، و يعود الصّياد من قنصه و تسقي الأم ّ طفلها و تمتلئ قلوبنا بمشاعر عذبة و تهتز ّ وجدا ً ....
أخرجت لينا الناصري أعمال أجدادها السّومريين و البابليين و الآشوريين الفنّية من متاحف الغربة الّتي رمتها فيها الأقدار، تعاني من شدّة البرد و كثافة الضّباب، و أرجعتها إلى شمس الشّرق الدّافئة .
صباح الناصري